حزيران 2008
المحطة الأولى والهروب إلى الأمام:
تماما بنفس القدر الذي يبدو عليه قرب الانتخابات البرلمانية للكنيست ال-18 كذلك هو بعدها، والتعليلات والاجتهادات للموقف هذا وفيه كثيرة، يكفينا منها دعما لهذا الموقف السؤال أو التساؤل: هل حزب العمل، الوحيد القادر على إسقاط الحكومة، مستعد أن يقدم رئاسة الحكومة لليكود هكذا على صحن من ذهب ؟
وبغض النظر عن المسارات التفاوضية المفتوحة اليوم مع الفلسطينيين ومع سورية وبعلم وتنسيق مع رئيس الحزب باراك، يتخذ التساؤل أعلاه زخما أكبر على معنى أن يتخذ براك مثل هذه الخطوة لإسقاطاتها على زعامته للحزب شخصيا، إذ فيها نهايته.
مجموع مقاعد حزب العمل وكديما 48 وما تبقى من المتقاعدين 4 والعرب 10 وميرتس 5 المجموع: 67 فهل كل هؤلاء معنيين بانتخابات قريبة، حتى إذا ركبت شاس رأسها، تجيء في الظرف الموضوعي الآني بنتنياهو وليبرمان وإيفي إيتمام للحكم بكل ما يعنيه ذلك من نتائج؟!
إذا موعد الانتخابات وعلى ضوء هذه المعطيات وهذا الاجتهاد يبدو بعيدا جدا ولكني قلت وبنفس القدر قربه، إذ أن إسرائيل و”مؤسستها المقررة” تجد اليوم نفسها وعلى ضوء التطورات المنطقيّة وفشل العديد من حلقات إخراج المشروع الأميركو- صهيوني في مأزق لا بد ّ من الخروج منه . الوعد “البوشي_ الأولمرتي” باتفاق فلسطيني إسرائيلي قبل نهاية ولاية بوش يبدو شبه مستحيل حتى بإخراجه الهزيل. المفاوضات السوريّة الإسرائيلية وبدء انحلال الطوق حول سوريّة لهما استحقاقات على المؤسسة الإسرائيلية لا تستطيع لا رسميا ولا شعبيا ولا دوليا تحملها، ضف إلى ذلك الانتخابات الأميركيّة والتداعيات في الملفات: الإيراني والعراقي واللبناني والغزّي واستحقاقاتها.
أمام هذا التشابك والتطور الذي فرضتهما ديناميكية لم تُحسب أو أخلّت في الحسابات، وأمام تشابك وتقاطع مصالح بين الألداء لا يستطيع أن يتجاهلها أحد، واستحقاقاتها، لا طريق أمام المؤسسة الإسرائيلية إلا الهروب إلى الأمام لكسب الوقت والتقاط الأنفاس، وفي هذا تصير المهمة وطنيّة لا فرق فيها بين الحسابات السياسية الانتخابية للأحزاب الصهيونية المختلفة، وتصير الأنتخابات لديها مجتمعة مسلكا “شرعيا” لهذا الهروب إلى الأمام بفتح معركة انتخابيّة تنقذها من هذا الوحل، وإن صار فيها نتانياهو رئيسا للوزراء يصير فيها باراك وزيرا للدفاع خصوصا وأنه ما عدا الصراع الشخصي على الحكم لا فارق يذكر بينهما في مجمل القضايا، ولا مانع أن تكون ليفني وزيرة للخارجيّة.
المحطة الثانية والتجمّع:
التجمع بقياداته وكوادره وأنصاره كان وما يزال عرضة لهجوم شرس من المؤسسة وأحزابها ومن خصومه على الساحة العربيّة وإن اختلفت في بعضه المنطلقات، للقضاء عليه بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ولا نقول ذلك من رحابة خيال. الهجوم فشل وقائعيا فعلى كل تجمعي أن يذكر ويذكّر واليوم بالذات، أن التجمّع خرج من معركة “لن أحرق صوتي” في انتخابات 1999 مضاعفا قوته، وخرج من “معركة إلغائه” في انتخابات 2003 كأكبر قوة برلمانيّة، وخرج من معركة “خليج الخنازير(!) ” الطائفية في انتخابات 2006 معززا وجوده.
هذا لم يرق أولا للمؤسسة ولم يبق أمامها بعد أن فشلت في كل الجولات الأولى ورغم كل الكرم الحاتمي (!) بالزيت صبأ على مواقدها الذي حظيت به بين خصوم التجمّع ولم يرق لهم ثانيا، فضربت الرأس بإحاكة ملف له نجحت فيه بإبعاد الرأس علّ ذلك يريحها وهلل له ولها الخصوم انتظارا لتقاسم الورثة.
أهل مكّة أدرى بشعابها هكذا قال أجدادنا، ونحن كأهل مكّة أدرى بشعابنا. كل قياديّ في التجمع يعرف وكل كادر في التجمع وكل شاب وشابة وكل مرأة من فسوطة شمالا مرورا بالناصرة والدالية والطيرة ويافا وسطا وانتهاءا باللقية نقبا، أن لحم التجمّع على الأعداء والخصوم الذين ينوون المشاركة في الوليمة علقم، ورحم أجدادنا الذين قالوا: ” اللي حمله ثقيل يحطط” !.
سنخوض الانتخابات كما كل المعارك إن إضطررنا (والقصد بذلك إذا أفشل اقتراح القائمة المشتركة بين التيارات الفكريّة) وحيدين وسننتصر ويبدو أن هذا ما سيكون، وكلنا ثقة بأنفسنا أولا وبأهلنا ثانيا ومن منطلق أن الإرث الذي يشمل الحقوق القوميّة الجماعيّة ودولة المواطنين والاستقلال الثقافي الذاتي لا يستحقه إلا من يستطيع حمله، وحملتُه من بين أهلنا كثر كثر ولن يفرطوا به، فعلى الأسرلة تمردنا وعلى الخوف كبرنا منذ زمن و”ليخيط خصومنا قبل أعدائنا بمسلة غير هذه المسلّة”، فكل ما هنالك أن المسافة بين الرأس والجسم كبرت، والأفكار كما الأحلام لا تعرف الحدود .
المحطّة الثالثة والمفاوضات:*
طلع علينا الموقع التابع لصحيفة “معاريف” العبرية nrg بخبر مفاده: أن الشيخ إبراهيم عبداللة رئيس الحركة الإسلاميّة ورئيس كتلتها الموحدة في الكنيست، أنه أعلم قيادات في التجمّع ردا على شرطها للتحالف بوضع خط أحمر حول أحد مركبات الموحدة، بأن هذا المركب بالنسبة للموحدة خطها الأحمر و”من يقبله فأهلا وسهلا ومن يرفضه الله كريم” هكذا بنهاية تحمل الأمر ونقيضه!.
أولا لم تسمع قيادات في التجمع هكذا ردا لأنه أصلا لا توجد رسالة تحتاج الرد، كان هذا التصريح أو لم يكن دسّ هذا التصريح أو لم يدس ليس كذلك من شأننا ولا يهمنا فحواه لا من قريب ولا من بعيد فنحن لم نطرق ولن نطرق أبواب أحد اللهم أبواب القائمة العربية المشتركة وبين التيارات الفكريّة، هذا هو موقفنا ولا يعطيّن أحد وأولا وقبل كل شيء من أعضاء التجمع اللقاءات التي تجري أبعد من كونها حواريّة في القضايا الفكريّة والوطنيّة وفي بعضها كانت إنسانيّة، ومهما تلسّن المتلسّنون.
الحوار القوميّ_ الإسلاميّ أكبر كثيرا وأوسع كثيرا من ساحة الانتخابات الإسرائيلية فيتعداها لمغرب العالم العربي ومشرقه، وهذا هو الحوار القائم بين الحركة الإسلامية والتجمع ونحن لا نقول ذلك ليصدقنا أحد فهذه مشكلته ليس مشكلتنا.
موقف التجمع كان وما زال، أن القائمة العربية المشتركة للتيارات الثلاث الفكرية على ساحتنا هو الموقف والتحالف الثنائي هو البديل وعلى نفس المبدأ التحالف بين تيارات فكريّة، وليس ضعفا وإنما من منطلق واحد ووحيد: أنه ما دامت التيارات الثلاث مقتنعة أن المعركة البرلمانية وبالتالي التمثيل البرلماني آلية في مصلحة أهلنا فعزوف أهلنا الطرديّ عن المشاركة فيها من ناحية ورغبتهم في أي شكل من أشكال الوحدة هو البوصلة التي توجهنا و”اللي مش مصدق يشرب من البحر الميت” وإن غدا لناظره قريب.
لم تكن أية جلسة بين قيادة التجمّع والحركة الإسلاميّة حتى اليوم حول الانتخابات البرلمانيّة وكل ما عدا ذلك ترهات مسؤول عنها أصحابها، وإن فشلت مبادرة التجمع لقائمة عربيّة مشتركة بين تيارات فكريّة سنفتح مثل هذه المفاوضات الثنائية أولا مع من لا يرفض القائمة العربية المشتركة وتحت ضوء الشمس، وإذا كانت مع الإسلاميّة كذلك ستكون كذلك كجزء من الحوار القومي- الإسلامي العام، كحاجة موضوعيّة للفضاء العام الذي ننتمي له وهو أكبر وأهم من أية انتخابات برلمانيّة.
المحطّة الرابعة والخلاصة:
قرب أو بعد الانتخابات البرلمانيّة لا يجب أن يكون للتجمعيين هاجسا أكبر من حجمه، فليست هي إلا معركة أخرى. فعلينا النهوض بكل مهماتنا وكأنه لا توجد معركة انتخابات والأستعداد لها وحدنا وكأنها على الأبواب، ففي البداية وفي النهاية نحن نبني حركة وطنيّة الحزب فيها ولها أداة، وصحيح أنها أداة هامة جدا يجب شحذها، ودائما.
* نشر هذا المقال في عرب ال-48 وقد فصّلت هذة المحطّة أكثر قبل النشر في فصل المقال على ضوء ملاحظات وصلتني أسيء فيها فهمي وليس بالضرورة لسوء فهم في القاريء، ربما لتوك في بعض النصوص التي استعملت.
النائب المحامي سعيد نفاع
08\6\1