شباط 2013
من عادتنا السيّئة نحن العرب أن نطرح أقوالنا وخصوصا إذا كان فيها ما يطال الآخرين، بالتورية، ونترك ل”اللبيب” أن يفهم اعتمادا على المقولة: “إن اللبيب من الإشارة يفهم” غير آخذين بالحسبان المقولة الأخرى: “إنّ بعض الظن إثم” فكم بالحري إذا سببنا الظن عند الآخرين؟ فالإثم آثام .
ولأننا لسنا كلّنا قوماً ألبّاء فنرجو إولاء الذين اكتشفوا حسب أدبياتهم التلخيصيّة لمعركة الانتخابات، أن لا يعتمدوا كثيرا على “لبيبيتنا” وليطرحوا لنا الأمور ب”المشبرح” لا بالضمير الغائب ولا بالضمير المستتر، طالما أن “البترو- انتخابيّة” كانت لدى البعض جزء من المعركة حسب تلخيصهم إياها، وعلى الأقل حتّى لا يُتهموا كمن صمت حين كان الصمت مدويّا ونطقوا حين صار النطق معزّيا.
وحتى لا أحكي أنا الآخر تورية وإنما “مشبرحا” فما حدا بي أن أكتب ما أكتب أني قرأت مباشرة وبعد الانتخابات مقالة للأخ رشدي خلايلة من مجد الكروم يصف فيها ما جرى في بلدته على يد “أحد أو آحاد !”، من توزيع دولارات تفوح منها رائحة البترول لدرجة ملأت أجواء البلدة، تمّ توزيعها ليلا على أهالي طلاب جامعيين كمنح دراسيّة وعلى عائلات مستورة لستر عوزها وعلى عائلات “الله يهونها عليها من كلّه”، وقد ترك الأخ رشدي خلايلة لي أنا القاريء أن أفهم من هم هؤلاء ال”أحد أو الآحاد”، اعتمادا على “لبيبيتي”.
وقرأت تلخيصات اللجنة المركزيّة للحزب الشيوعي كما جاءت في صحيفته، واقتباسا:
“يدين الحزب الشيوعي المظاهر الخطيرة التي انتشرت في الحملة الانتخابيّة في المجتمع العربيّ، وتسليع السياسة وتحويلها إلى تجارة، بأموال البترو- دولار، ويؤكد الحزب على ما كان قد حذّر منه على مرّ سنين، من خطورة هذه الظاهرة المرفوضة من حيث المبدأ كليّا، وتزداد خطورتها، لأن شراء النفوس، يفسح المجال أيضا أمام أحزاب السلطة للدخول في هذه المنافسة القذرة.”
وجاء على لسان النائب عفو إغباريّة في تلخيص جبهة أم الفحم الانتخابات، اقتباسا:
“يجب تنظيم نشاط توعويّ واسع لمحاربة ظاهرة الرشى الانتخابيّة والمال السياسيّ الملوّث بالروائح الكريهة والعملات الأجنبيّة والعربيّة، تمّ من خلاله استغلال أوضاع الناس الاقتصاديّة الصعبة وشراء ذمم الناخبين وترسيخ ثقافة ال”هات”، عوضا عن ثقافة التطوّع والانتماء. سنحارب بقوة ودون تأتأة هذه الظاهرة”.
وحيث أن المثل الإنجليزي يقول: “عمل متأخر أفضل من لا عمل”، فأشد على أيدي أعضاء اللجنة المركزيّة للحزب الشيوعي والنائب إغباريّة وجبهة أم الفحم، ولكن جيّد كان ما داموا جدّ متأكدين أن البتر- انتخابيّة صالت وجالت، لو لم يتركوا لنا الفاعل ضميرا مستترا علينا تقديره اعتمادا على “لبيبيتنا” فلسنا بالألّباء على هذا القدر أيها “الرفاق”، وإن اللبيب فيكم بالإشارة يفهم !
ولكن من حقّنا وواجبنا أن نسأل: ماذا مع الصندو-انتخابية؟!
تماما كما يكثر اللغط عن البترو- انتخابيّة يكثر عن الصندو- انتخابيّة ونسب ال%131 وال%109 وأخواتهما، والله ولجان الصناديق يعلمون بالمخفيّ الأعظم، وليس فقط هم على ما أعتقد. أليست هذه مظاهر خطيرة ؟! وإن كان في الأولى تسليع سياسة، أفليس في هذه تزييف إرادات سياسيّة وسرقتها؟! وإذا كانت الأولى خطيرة من حيث المبدأ، أولا تسري المباديء على هذا؟! وإذا كان هذا يفسح المجال أمام دخول الأحزاب الصهيونيّة، فهل فعلا خرجت هذه “من المولد بلا حمّص” ؟! أولم يتقاسم ممثل حزب شاس في نحف مثلا في الانتخابات قبل الأخيرة غنيمة بعد العاشرة ليلا، على ذمّة الراوي؟!
ومن حقّنا وواجبنا أن نسأل أيضا: ماذا مع الطائفو- انتخابيّة؟!
وحدّث في هذه ولا حرج، وكل التساؤلات التي طّرحت في الصندو- انتخابيّة صحيحة هنا. ولكن هنا يوجد فرق عن الأولى والثانيّة يتعدّى التأثير على كميّة وكيفيّة وجودنا في الكنيست، فالتأثير في هذه يطال وجودنا في بلادنا وشكل هذا الوجود بضرب موطن قوتنا الباقي بعد أن جرّدونا من موطن القوة الآخر الاقتصادي (الأرض).
وليس أحدَّ في هذا السياق، ممّا دأبت أردده في كلّ مناسبة عن الاستراتيجيّة التي وضعتها الحركة الصهيونيّة في العام 1920 غداة جولة حاييم فايتسمان رئيس المنظمة الصهيونيّة حينها والرئيس الأول لدولة إسرائيل في ربوع بلادنا مالئا بطنه ب”مناسف” ولائم بعض الزعماء، وبناء على توجيهاته، إذ أكدّت في ورقة العمل التي قدّمها قسم التوجيه في المنظمّة على:
” يجب رصد النزاعات بين المسلمين والمسيحيّين وتأجيجها وإيجادها حيث لا توجد، وتشكيل لجان وطنيّة إسلاميّة بدل اللجان الوطنيّة الإسلاميّة-المسيحيّة التي كانت عصب الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة، وتمويل صحف من الأروقة الخلفيّة”.
وفعلا أقاموا وموّلوا من وراء الكواليس تلك اللجان ورأسها حينها حسن شكري رئيس بلديّة حيفا الذي ما زالّت تكرمه حيفا بشارع على اسمه، ولاحقا أقاموا حزب الزّراع. وفي الثلاثينات المبكّرة أضاف أبا حوشي رئيس بلديّة حيفا لاحقا، ويتسحاك بن تسفي رئيس الدولة الثاني لاحقا، الدروز للتوجيهات، مضيفين: “يجب رصد التعديّات على الدروز من الطوائف الأخرى والوقوف إلى جانبهم معنويّا وماديّا بتوجيه محامينا بالترافع عنهم”.
هل تغيّرت هذه الاستراتيجيّة ومنذ تلك الأيام وحتّى يومنا؟!
أليست استراتيجيّة عدوّك هذه بكافية وتستأهل منّا العمل ب”بقوة ودون تأتأة” على محاربة هذه الآفة الطائفو- انتخابيّة بكلّ تجلياتها ومظاهرها ؟! تماما أو أكثر مما تستأهل البترو- انتخابيّة منا العمل ضدّها بكل قوة ودون تأتأة ؟! أوليست هذه أخطر من البترو- انتخابيّة والصندو- انتخابيّة وبكل المعايير؟!
وكيف سنحاربها إن أبقينا ملفّ القضيّة مسجّلا على اسم مجهول نشير إليه تورية؟!!!
سعيد نفاع sa.naffaa@gmail.com
أواسط شباط 2013