أعضاء الكنيست العرب وال"ربيع العربيّ"!

تشرين الأول 2012

هنالك حديث شريف يقول: “مثلما تدينون تدانون كيفما تكونوا يُولَّ عليكم”.

يستطيع المرء وبسهولة أن يتخيّل الحالة التي جاء فيها هذا الحديث الشريف، وعظمة هذا الحديث ليس فقط في مصدره وإنما في ديمومته أيضا. في مقال كتبته في عزّ حرب تموز 2006 العدوانيّة على لبنان، كتبت مقالا متناولا موضوع العلاقة بين شعوبنا والحكام، قلت فيه:

“نائب الفاعل في هذا الحديث جلي واضح أما سبب الفعل فمسألة فيها نظر… إذا كان نائب الفاعل في الحديث هو اسم الجلالة، إذاً فحكامنا هم من نستأهلهم فولاهم الله علينا بحكمته غضبا علينا ولا رادّ لإرادته عزّ وجل. إذاً لماذا نلوم الحكام؟ فالملوم من ولاهم، لأننا كنّا كذلك فولّى علينا كيفما نكون! وحتى لا أتهم بالكفر أستغفره استغفارا كبيرا هو الغفور الرحيم!”. وقلت:

“وإذا كان نائب الفاعل ضميرا مستترا لنا تقديره حسب اجتهاداتنا، فنائب الفاعل هو ضمير مستتر تقديره نحن، وهذا ما أعتقده تفسيرا للحديث ولو من منطلق مخافة الله!”.

وإذا استبدلنا كلمة الحكام أعلاه بالقادة، فأعضاء الكنيست العشرة العرب (زائد واحد)  وأنا منهم والذي على ما يبدو سيعود عشرة منهم على الأقل بعضهم للدورة الرابعة ومنهم للخامسة ومنهم فوق ذلك، هم من نستأهلهم بحلوِهم ومرّهم، فنحن من وليناهم كحركات وأحزاب ونحن من انتخبناهم كجماهير، ونحن من سنولّيهم ونحن من سننتخبهم، وهم لا يملكون لا بترولا ولا معتقلات ولا أجهزة مخابرات ولا دعما ناتويّا، ولذا فولايتهم هي بمحض إرادتنا بفعل ديموقراطيّ “أنعمت علينا به دولتنا الله يديم علينا نعمها”. إذن فلماذا بدأ بعض “المثقفين من أهل الوعظ والإرشاد” من المعجبين بال”ربيع العربيّ”، وقبل أن تقول الحركات والأحزاب كلمتها يضعون رقاب أعضاء الكنيست على المقصلة؟!

هل مثلا سنطلب تدخّل حلف الناتو وآل أردوغان وآل عبد العزيز وآل حمد  ليزيحوا عن كاهلنا الأعضاء؟! أم سنخرج إلى الشارع زاحفين هاتفين “الشعب يريد إسقاط الأعضاء”؟!.

أن تكون عربيّا فلسطينيّا عضو ا في الكنيست ليس بالأمر السهل على الأقل لدى جزء كبير من أعضاء الكنيست فالغربة ترافق هذا الجزء في كل ركن من أركان الكنيست، ولكن وما دامت أكثريتنا شعبيّا وقياديّا حسمت هذا الموضوع فهذا تحصيل حاصل، وبناء على هذا الحاصل فأعضاء الكنيست العرب بغالبيتهم، وليس لأني واحد منهم، يبذلون جهودا جبّارة في الدفاع عن حقوق ناخبيهم وتحصيل بعضها، وتستطيع إن كنت فعلا متابعا موضوعيّا لنشاطهم، أن تسجّل لهذا وذاك عددا ليس قليلا من القضايا التي عالجها وحلّها، ولكنّ يجب ألا ننسى الفعل التراكميّ لطروحاتهم في الكثير من القضايا، وهذا موضوع بحاجة لتعمّق ليس هنا المجال للخوض فيه.

أيكفي سببا أن نطالب عضو الكنيست الذي مضى على عضويته سنوات أن يتنحى رغم أن جعبته مليئة بالعطاء، فقط لأن “الثقافة” الغربيّة حدّدت لمواقع المسؤوليّات دورات “تُغيّر الراس وتُبقى القبّعة والمداس”، وإلا لصار أعضاؤنا في نظرنا بن علي آخر وقذافي آخر ومبارك آخر؟!

طبعا نحن نعرف أن حلف الناتو وحذاءه الشرقيّ لن يتدخّلا وماسحو نعاله لن يتدخّلوا اللهم إلا واحد أو واحدة بالأخضر وباتجاه معاكس، (حلف الناتو لو وسّعنا خيالنا تشبيها تمثيليا من علم البلاغة، هو جندي من الخوذة للنعل فطبيعي أن يكون بعض أعضائه خوذا وبعض أعضائه نِعالا)، ولأنه لن يتدخّل لا بخوذه ولا بنعاله ولا بماسحيها فلذا لن يسقط “قذافنا”، وكوادر أحزابنا وحركاتنا لم تخرج إلى الشوارع تنادي بإسقاط النظام ولذا لن يسقط “بن عليّنا” ولا “مباركنا”، أولا لأنهم ليسوا كذلك جوهرا وثانيا لأنهم ليسوا كذلك في نظر أحزابهم وفي نظر حركاتهم، ولن يكونوا في نظر الناس يوم 22 كانون الثاني 2013، وإن غدا لناظره قريب. أفلا يريحنا “ربيعيّونا العرب” من هذا “الوعظ”؟!

هنالك شرطان مجتمعان غير تبادليّان معطوفان على بعضها ومتداخلان لبقاء عضو الكنيست لأي عدد من الدورات. الشرط الأول إرادة حزبه أو حركته وعطاء الناخب دعمه، خصوصا وأن في وضعنا، وكما قلت، لا بترول ولا مخابرات ولا معتقلات ولا أحلاف خارجيّة بمتناول يديه يقمع فيها الحزب والناخب ولذا فهما أحرار كليّة في خيارهما، والشرط الثاني خياره الشخصيّ والمستمد والمعتمد على ضميره الحيّ الذي يعرفه هو حقّ المعرفة ودون غيره فإذا كان صاحب ضمير حيّ يعرف متى يبقى ومتى يترك.

إذا اجتمع هذان الشرطان فلا موضة “ربيع عربيّ” ولا “ربيعيّون عرب” يجب أن يكونوا المرجع، وإذا فقد المرشح أحدهما فلا بسبب “ربيعيّ عربيّ” ولا بسبب “خريف عربيّ” يجب أن يقبل على نفسه الترشّح.

وبغض النظر إذا كانت الأحزاب والحركات والناخبون أحسنوا الاختيار أو أساءوا الاختيار أو سيحسنوا أو يسيئوا الاختيار، ف”كيفما نكون يولّ علينا”.

سعيد نفاع

أواخر تشرين الأول 2012

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*