وقفات مع الدروز والأحزاب العربيّة وقبل أن تقع البينونة الكبرى!

 

  • الوقفة الأولى… مع فاتحة.

أومن إنّ الكاتب، كل كاتب وفي أي مجال، يشغله عند تناول قلمه للكتابة السؤال؛ لمن أكتب وهل هنالك من قارىء؟ّ! وإن وُجد القارىء، هل سيعطي كتابتي حظّا، ولو طفيفا، من قيمة ربّما تحمل فائدة أو استفادة تستأهلان حيّزا من وقته وعقله؟!

لو كانت الإجابة سلبا قاطعا أو لو استطاع أصلا أن يجد إجابة، لما تجشّم الكتاب استلال الأقلام، ومع هذا ورغم هذا رحم الله أمل دنقل ويوم قال بعد هزيمة 1967 بما معناه: قم من اعتكافك وقلها وامضِ! وأكثر رحم الله الجاحظ ويوم قال: ……..!

  • الوقفة الثانية… مع البيت والحِجارة.

كتبت بعيد انتخابات 2019 موعد (أ)- 9 نيسان:

“في وقفات سابقة، قبل أيام، تناولت المشهد الانتخابيّ العربيّ بشكل عام، وأشرت إلى أنّي في صدد تناوله عربيّا درزيّا. المشهدان مرتبطان عضويّا اللهم إلا إذا كان هنالك منّا من “قرأ الفاتحة” على سلامة بيتنا الوطنيّ. ويبدو أن الكثيرين ومن كلّ الشرائح قادة وأفراد فعلوا ذلك، غير مدركين أن من يترك البيت من ناحية سيضيع ومن يتنازل عن أو يهمل حجرا فيه (وبكلمات أخرى عضوا في الجسم حتّى لو كان مصابا) سيؤدي هذا حتما إلى تنازل وإهمال لغيره من الأحجار (الأعضاء) وقد بدأنا نرى هذا كذلك حيال أحجار (أعضاء) أخرى. ومن نافل القول؛ إنّ البيت (الجسم) الناقص أبدا ليس كالكامل، وطابت ذكرى من قال: “الحصوة تسند أحيانا الحيط”!

تناولت هذا المشهد وما يقاربه في كلّ انتخابات وبدونها، وها أنا أفعل مجدّدا ضاربا خميرتي إيمانا منّي أنها ستلصق يوما حين تزول عن ومن الرؤوس المواد المزحلِقة المتراكمة وحتما ستزول، إلّا إنّا بحاجة لبعض قطران لإزالتها، لأنّي أريد الكمال لبيتنا الوطني (وعلى أعمدة وطنيّة لا أعمدة ماديّة رفاهيّة إلا بالقدر الذي تدعّم الوطنيّة منها)، ودون ذلك سيظلّ بيتنا الوطنيّ مشوّها ضعيفا راكضا لاهثا وراء فُتات.”.

وأضيف اليوم:

كمالُ بيتنا الوطنيّ ليس في رفاهيّتنا على حساب وطنيّتنا وقوميّتنا، والوطنيّة والقوميّة التي أقصد هي حمل الهمّ الوطني الفلسطيني والقومي العربي فعلا لا قولا؛ مشروع في وجه مشروع. الرفاهيّة الحياتيّة قيمة ولكنها حين تأتي على حساب “الرفاهيّة” الوطنيّة ولا تتكامل معها وتتكافل، فطُز فيها باللغتين؛ التركيّة والعربيّة!

 

  • الوقفة الثالثة… مع الأرقام.

الأرقام هي طبقا لدائرة الإحصاء المركزيّة ولجنة الانتخابات! وربّ سائل أو متسائل؛ وكيف تتمّ عمليّة الفرز هذه وقرانا في غالبيّتها مختلطة؟ هذا صحيح! ولكن المهمّة وإن كانت صعبة ولكنها قابلة للحل وبدقّة عالية! ولنذهب للنتائج:

في انتخابات 2019 موعد (أ) تقول الأرقام مقرّبة للمِئة:

العدد الكلّي للمصوّتين الدروز هو؛ 78,700 صوت. شارك في التصويت منهم؛ 51,700 مصوّت أي %65.7 (هذه النسبة طبعا بسبب وجود مرشّحين تقريبا من كل بلد، 13 مرشحا، وعلى سبيل المثال في ساجور وبغياب مرشح منها وصلت النسبة فقط %49). نالت منها الأحزاب العربيّة مع “حبّة مسك” ما لا يتعدّى ال-2700 صوت، أخفض عدد ونسبة منذ انتخابات 1988م. وما دمنا في الأرقام فتكون الأحزاب الصهيونيّة نالت قرابة ال-49,000 صوت ممّا يعني أنها نالت بين بقيّة العرب ما يقارب ال-80,000 صوت.

القرى الدرزيّة “الصرف” وتلك الفوق %95 من سكانها دروز نسبتها من أصحاب جقّ الاقتراع الدروز الكلّي %62 (يعني لم تؤخذ في الحسبان هنا القرى المختلطة بأقل من %95 ويستطيع المُهتم أن يستنتج بالمقارنة)، حصلت فيها الأحزاب الصهيونيّة على؛ الليكود 4580 صوتا (بزيادة قرابة ال-%100 عن الانتخابات السابقة). ليبرمان 2740 صوتا (إضافة في شفاعمرو 1797صوتا). كحلون 2810 أصوات. جانس (الأزرق والأبيض) 11,130 صوتا. شاس 1190 صوتا. ميرتس 5560 صوتا. ولم يترك الدروز مكانًا للومة لائم من أي من الأحزاب الأخرى فكلّ نال حصّته حتّى اليمين الجديد (بينت) واتحاد اليمين (سموطريتش).

وبالمناسبة كنت كتبت وقبل الانتخابات؛ أنّ الوضع بين الدروز لا يبشّر بخير!

أمّا في انتخابات 2019 موعد (ب)، تحكي الأرقام:

اقترع من العرب: 577,000 مقترع. %59 من أصحاب حقّ الاقتراع.

نالت المشتركة على: 465,000 صوت. %47 من أصحاب حقّ الاقتراع.

الأحزاب الصهيونيّة: 112,000 صوت. %19.5 من المقترعين.

عدد الدروز الكلي في البلاد 115,900 نسمة (ستجدون في الأدبيّات الإسرائيليّة أرقاما أكبر وذلك لاشتمالها على قرى الجولان المحتل). شارك من أصحاب حق الاقتراع منهم هذه المرّة فقط: 37,500 مقترع. نسبة لم تتعدّ ال%50 وللمثال؛ كسرى وكفر سميع %32، وساجور %41، بيت جن %52.5، أما أعلى نسبة فكانت في الدالية %62. انتبه للتراجع عن موعد- أ.

حصلت الأحزاب الصهيونيّة في كل البلدات التي يقطنها فيها دروز على: 40,430 صوتا. وللمثال؛ في كفر ياسيف هنالك 160 صاحب حقّ اقتراع من الدروز وحصلت الأحزاب الصهيونيّة على 770 صوتا. وفي الرامة هنالك 1170 صاحب حقّ اقتراع درزيا وحصلت الأحزاب الصهيونيّة على 1860 صوتا.

مجموع ما حصلت عليها المشتركة في القرى التي يتعدّى السكان الدروز فيها ال%90 وهي؛ 11 قرية، هو: 1100 صوت من عدد مقترعين: 20,100 مقترع، يعني: %5.4. في المغار مثلا: عدد المقترعين الكلّي 8370 مقترعا منهم دروز: 4750 مقترعا. حصلت الأحزاب الصهيونيّة على 4580 صوتا والمشتركة على 3790 صوتا. (لا تشمل الأرقام بلدة يركا إلا صندوقا واحدا وفيه 357 مقترعا، وهذا يؤثّر في الأرقام ولكن ليس في النسب.)

ال%50 المقاطعون!

الدروز عادة كانوا يصوّتون بنسب أعلى كثيرا من النّسب العامة في البلاد، وذلك بسبب السياسة المؤسّساتية التي كانت سائدة ووجود مرشّحين دروز على لوائح الأحزاب الصهيونيّة. زاد عدد المرشّحين على مثل هكذا لوائح في العقدين الأخيرين ومع هذا %50 بالمعدّل من الدروز لا يصوّتون مع تفاوت بين دورة وأخرى (انتخابات 2019- ب كان هنالك 5 مرشّحين في أماكن مضمونة وشبه مضمونة). لا يمكن تفسير ذلك إلا كتظاهرة “خيبة أمل” من المؤسّسة والأحزاب الصهيونيّة ومرشّحيها. خيبة الأمل هذه لم تجد من يستثمرها بالشكل الصحيح والانتقال بها من الموقف غير الفاعل إلى موقف فاعل، أي الانتقال إلى الصّفوف العربيّة بدل الوقوف “على جنب”، والمقالة الدراسيّة هذه نجد الأسباب منثورة في الوقفات هنا وهناك.

  • الوقفة الرابعة… مع قانون القوميّة والنتائج.

أين ذهب كلّ الضجيج حول قانون القوميّة بين الدروز؟! لا بل أين ذهبت هرولة بعض القوى الوطنيّة للمشاركة في مظاهرة الضجيج “التكفائي- اختتامها بالنشيد الوطني هتكفا” في تل أبيب؟! أين ذهبت تصريحات جهابذة العمل الوطني قبيل الانتخابات حول أنّ الساحة المعروفيّة ستشهد اختراقا (موعد- أ) و\ أو كلّ بيوت الدروز مفتوحة أمامنا (موعد- ب)؟!

فأي قوميّة وأي بلوط وأي اختراق، وأي أبواب مفتوحة؟!

سُئلت في تقرير صحفيّ لصحيفة هآرتس (جاكي خوري)؛ هل ترشّحُ مرشّحين دروز على لوائح هذا الكم من الأحزاب الصهيونيّة هو لعبة سياسيّة أملا في نوال الحقوق؟ كانت إجابتي بالسلب قاطعة وما زالت، فهذا دليل ومؤشّر ضياع وفقدان أفق اجتماعيّا ووطنيّا!

كثيرا قبل أن تدخل الكلمة “الإيدشيّة – געוולד” قاموسنا السياسي، وأمثالنا يصرُخ وقلمه يدمع مستنجدا برديفتها في العربيّة العاميّة “جاي يا غلمان جاي”، فصًمّت آذان الأحزاب العربيّة وقواها الوطنيّة العربيّة الدرزيّة عن السمع وعميت العيون منها عن القراءة، لا بل أكثر، شُوّهت الصرخات وأصعب، وحُوّرت الكلمات وأكثر. وكان البديل “إسهالا” مزمنا في البيانات المصوّرة عن خُطب ناريّة أُطلقت في ندوة هنا وأخرى هناك، و-“وقعات” نضاليّة وكفاحيّة خيضت في نادٍ هنا ونادٍ هناك غدت منها وأمامها يرموك ابن الوليد وقادسيّة ابن الوقّاص تغضّ الطرف استحياء وخجلا!

التقت الحركة “الوطنيّة للتواصل- لجنة التواصل والميثاق”، فترة قصيرة بعد انتخابات 9 نيسان ونتائجها في هذا السياق، في بيت الأخ جابر عساقلة (اليوم النائب) مع النائب الأخ أيمن عودة وكان من المفروض أن يحضر الأخ النائب يوسف جبارين، تمّ فيها طرح اقتراح عينيّ للخروج من الوضع على أن تتبناه وتعمل به الجبهة، بإن تبادر إلى “يوم وطنيّ دراسيّ” تدعو إليه كلّ الوطنيّين الدروز أطرًا ومستقلّين.

فماذا كان ردّ “قيادة لجنة المبادرة الدرزيّة” في بيان نشرته الاتحاد عن لقائها مع أيمن بعد اللقاء أعلاه؟!

لن نسمح ولن نقبل بدقّ الأسافين بين شباب اللجنة و”ختياريّتها” – هكذا!

  • الوقفة الخامسة… مع وضع بعض النقاط على الحروف، خلفيّةً.  

الخلفيّة في هذه الوقفة تناولتها بدراسة مُفصّلة في كتابي؛ “بين يهوديّتهم وطوائفيّتنا وتحدّيات البقاء”. الصادر عام 2012م.

أقصى ما أتمناه في هذه الوقفة أن لا “يُبْحش على قبور أهلي” وقد لاقوا ما يكفيهم ويزيد من “كثرة غلبتي”، لدرجة استصرختني رفاتهم؛ أن كُفّ! خصوصا وأننا في عصر “موات” الشافعي وفولتير كما كنت أشرت في الوقفات السابقة مع المشهد الانتخابي، ولكني أنوي وبعد أن استأذنت رفاة أهلي، هذه المرّة أن أطرح الأمور “بالمشبْرح” قدر الإمكان، طارحها قائلا قولي مستغفرا الله لي ولأهلي ولكم!

لعلّ في عودة ما إلى الوراء تعزيزا لما أنا في صدده تدلّ، فالعمل العربي الوطني بين الدروز وبعد نجاح مخطّط الفصل سنة 1956م والقضاء على المعارضة، شهد سنة 1958 بداية تحرّك قاده الشاعر سميح القاسم بإطلاقة حركة “الشباب الدروز الأحرار” ومن ثمّ شهد نقلة نوعيّة جزئيّة بعد انتخابات عام 1969م ونتائجها غير المتوقّعة بين الدروز، بلغ أوجا في العقد الذي تلا بعد انطلاق طيّبي الذكر؛ الشيخ فرهود قاسم فرهود والشاعر سميح القاسم وعاصم الخطيب بلجنة المبادرة خلفا لحركة الأحرار، ومن خلال دعم القوّة الوطنيّة العربيّة الفاعلة حينها الحزب الشيوعيّ كمؤسّسة (وهذا المهمّ) وليس فقط بانتساب أفراده الدروز لها.

هذا التصاعد شهد مراوحة في المكان مع تقدّم قليل في العقد الذي تلا خصوصا بعد أن استقال الشيخ فرهود من رئاسة اللجنة عام 1981م (وللتاريخ كنت سكرتيرها حينها). عام 1992م تحديدا، شهد العمل الوطنيّ مع وبين الدروز وعلى خلفيّة تشكيل قائمة الجبهة حينها وتحييد محمد نفّاع الذي كان دخل الكنيست تناوبا فترة قصيرة قبل ذلك، شهد نكسة رافقته طوال التسعينات وبرزت آثاره السلبيّة في الموقف إبّان هبّة القدس والأقصى في ال-2000.

ومع هذا فأواخر هذا العقد، الأخير في القرن العشرين، والعقد الذي تلا شهدت الساحة الدرزيّة عملا وطنيّا جديّا في مركزه انطلاق مشروع التواصل، وتزامن هذا مع استفحال سياسة التمييز والاستهتار المؤسّساتية ضد الدروز. برزت آثاره الإيجابيّة وطنيّا في أبحاث مؤتمر هرتسليا للشؤون الاستراتيجيّة شباط 2009م (أنظر؛ الصحافي وديع عواودة- حديث الناس-لاحقا)، والقسم المتعدّد الثقافات في جامعة حيفا من نفس العام (أنظر؛ أ. د. ماجد الحاج ود. نهاد علي-لاحقا).

الآثار الإيجابيّة الوطنيّة هذه وتعامل الأحزاب العربيّة (الجبهة والتجمّع) معها إيجابا حينها، أتت أُكُلها بدءا من انتخابات 1999م لصالح التجمّع، حصل التجمع في هذه الانتخابات في بيت جن على 540 صوتا (وهذا قبل زيارات سوريّة) وللمقارنة حصلت المشتركة اليوم على 155 صوتا، وفي الانتخابات التي تلت (ثلاث)؛ 2003 و2006 و2009م، تضاعف العدد وتصاعد وفي كلّ القرى الدرزيّة، ممّا يعني إنّه وفي المبدأ لا غربة ولا اغتراب بين المصوّت الدرزي والأحزاب العربيّة. إذا ف-“ما الذي حدا ممّا بدا؟!”

  • الوقفة السادسة… هرتسليّا وجامعة حيفا والكتيبة الدرزيّة، للذكرى والتاريخ.

حقيقة (1)؛ أواخر العقد الأول من هذا القرن وبمناسبة مرور 60 عاما على قيام إسرائيل، قام مؤتمر هرتسليا للشؤون الاستراتيجيّة ببحث تحت عنوان؛ الشعور بالوطنيّة الإسرائيليّة لدى الشباب. من نافل القول إنّ المؤسّسة الصهيونيّة وحرصا منها على المستقبل تجري مثل هكذا أبحاث كي ترى حال شبابهم قادة الدولة مستقبلا. طبعا البحث ولاكتماله لا يتخطى الشباب العرب وعلى شرائحهم. وفيما يتعلّق بالدروز وانطلاقا من وضعهم الخاص في الخارطة السياسيّة الإسرائيليّة (التجنيد الإجباري) جاءت النتائج صادمة للمؤسّسة، فقد أظهرت إنّ معيار الشعور بالوطنيّة الإسرائيليّة عند الشباب الدروز تدنى منذ بداية العقد حتّى موعد البحث\ الدراسة حسب سلّم من 6 نقاط، من (4 من 6) بداية العقد إلى (1.6 من 6) في نهاية العقد. وبيّن البحث\الدراسة إنّه ولأول مرّة تتعدّى نسبة المتهرّبين (الرافضين باصطلاحنا) من الخدمة العسكريّة ال%50. ويخلص البحث؛ “هذا مؤشّر خطر لفقداننا مجموعة صديقة علينا العمل على تلافي هذا الخطر.” – (راجع وديع عواودة حديث الناس عدد 6.2.2009 ص26)

حقيقة (2)؛ فترة قصيرة بعد هذا كشف القسم متعدّد الثقافات في جامعة حيفا عن دراسة بالمسؤوليّة الأكاديميّة لبروفيسور ماجد الحاج ودكتور نهاد علي بالمشاركة مع الجمعيّة للديموقراطيّة (وجيه كيّوف)، تمحورت حول: الدروز ودولة إسرائيل بعد 60 سنة على قيامها، كشفت إنّ %63.7 من الدروز يرون في المركّب العربيّ جزءا هامّا من هويّتهم، وإن %28 يرفضون الخدمة الإجباريّة كليّة و%35 يطالبون أن تكون اختياريّة. – (راجع الدراسة في القسم في جامعة حيفا)

حقيقة (3) على خلفيّة حلّ الكتيبة الدرزيّة كنت كتبت في وقفات سابقة الآتي:

عام 1956 وحين كمُل مخطّط فرض التجنيد على الشباب الدروز والشركس، شكّل الجيش وحدة أسماها حينها وحدة الأقليّات ضمّت في صفوفها كذلك المتطوّعين من بقيّة العرب. بلغت هذه الوحدة في السبعينيات تعداد كتيبة، يعني حوالي 1000 نفر غالبيّة ضبّاطها وأصحاب المراكز الحسّاسة من اليهود، وبدءا من هذه السنة فُتحت أبواب وحدات أخرى ليست نُخبويّة أمام المجنّدين. ولكن بقيت وحدة (درزيّة) مستقلّة قوامها كتيبة، حتى فترة خلت إذ حُلّت الكتيبة. عن هذا كتبت:

“عندما ثارت ثورة زلم السلطة على إعلان القائد الأعلى للجيش “أيزنكوط” قبل أشهر على نيّة الجيش حلّ الكتيبة الدرزيّة، خرج علينا الناطق الرسمي للجيش ببيان وخرج زُلمًه بتعقيبات “تزوبعت” الدنيا بعدها، فكتبتُ على “الفيسبوك” حينها الآتي وأعيده في وقفتي هذه لعلاقته بالموضوع:

“إذا كان في خير في زوبعة الفوج الدرزي في الجيش فهو هذا…

روج أزلام السلطة أن نسبة المتجندين بين الدروز فوق ال-%80 وطبعا الإعلام العبري عيّد…ولكن المصيبة أن الإعلام العربيّ ببعض صحافييه يجتر وراءه…

الناطق الرسمي باسم الجيش اللي “الله” ما قدر يطلع منه معطيات “بِقّها” المرة، وقال: إن تعداد الفوج الدرزي 400 عنصر (هذا لا يفي بتشكيلة كتيبة كوحدة مستقلّة في الجيوش- إضافة)، وهنالك 2300 عنصر في وحدات أخرى… ماشي وبدنا نمشي معُه ونحلف في حياته أنه أرقامه صح…

تعداد صف ال-12 في بيت جن 207 طلاب وخليه يا عمي من هذا الجيل مش عمال يتعلم 23 فقط يعني مجموع أبناء الجيل 230 منهم بنات (معفيات من الخدمة) النصف… يبقى 115 في بلد سكانها قرابة ال-11 ألف يعني عند كل الدروز في: 115 شاب لكل 10 آلاف مواطن ضرب 12 (عدد الدروز 120 ألف) يعني يساوي (=) 1380 شاب في سن التجنيد ضرب أربعة أجيال (المتزامنة خدمتهم الخدمة الإجبارية 3 سنوات) = 5520 نفرا.

قديش معطيات الجيش أعلاه؟!

400+2300= 2700 (وصدق الله العظيم !!!!) احسبوها:

2700 على 5520 = %49 (وين ال%84 وال%87%)؟!

ناوي حدا عاد يفهم ويستوعب عاد؟!”

على ضوء هذه الحقائق الثلاث أعلاه، كتبت وعدت وكتبت: هذه المعطيات (هرتسليّا وجامعة حيفا وبعدها الناطق العسكري) تتطلّب منّا نحن القوى الوطنيّة العربيّة الدرزيّة ومهما اختلفت الانتماءات الفكريّة والسياسيّة:

أولا: أن لا “ننعف لصدورنا” النتائج أعلاه وكأنّها ثمرة عملنا فقليلا من التواضع لا يضرّ، إنّها نتيجة لعملنا ولكن الحظّ الأوفر فيها هو لخيبة الأمل عند قطاعات واسعة راهنت على التبعيّة للمؤسّسة فأصابها كما: “مصيفين الغور!”

ثانيا: صحيح إنّ النتائج أعلاه هي تبنٍّ لمواقفنا، لكن المسافة بين تبنّي الموقف وممارسته بشكل عام شاسعة وليس بالضرورة أن يتطابق التبنّي والممارسة، ومن هذا المبدأ؛

ثالثا: حال القوى الوطنيّة أمام هذه (النتائج) الموجة هو تماما كالرياضي راكب الأمواج، فإن اعتلاها بشكل صحيح انطلقت به إلى برّ أمان، وإن أخطا الاعتلاء ضربته في قاع البحر. ولذا فاعتلاء الموجة الصحيح يجب أن يكون بالوحدة، وحدة العمل، ونحن كفصيل نمدّ اليد وعلى اتّساعهما، ومسبقا نقبل تسليم القيادة للآخرين ولمن يريد ونحن وراءه.

رابعا: ذرت الرياح بكلّ هذا وما من سبب إلا إدمان العمل لدى البعض حسب قانون القصور الذاتي في الفيزياء!!!

يبقى السؤال المركزي: كيف يتوافق هذا الحال موضوع الحقائق أعلاه مع هذا الاغتراب عن الأحزاب العربيّة سياسيّا؟! (علما أنّ علاقات اجتماعيّة وثيقة وواسعة تربط الدروز ببقيّة العرب في الأفراح والأتراح وما شابه كانت وما زالت) فلماذا؟! وما العمل؟! وهل هناك من أمل؟!

  • الوقفة السابعة… مع النقاط والحروف والجبهة.

الجبهة؛ على مدى هذا العقد تركت العمل كمؤسّسة بين الدروز لأعضائها الدروز ممثّلين في “لجنة المبادرة الدرزيّة” والتي قضت سكرتيريّتها وبعض كوادرها العقد هذا وعلى الأقل نصف الذي بعده وفي عزّ محاكمات التواصل، وما من عدوّ لها إلا “الحركة الوطنيّة للتواصل”، وفي حوزتنا عشرات الوثائق الخطيّة حول هذا، وراحت وما زالت تغازل “القيادات” التقليديّة، وليس هذا وفقط إنّما أفشلت كلّ عمل وحدويّ. والتفاصيل تطول.

قُبيل انتخابات العام 2013م ورغم ما قيل، أنا على المستوى الشخصيّ ومن موقعي كعضو كنيست قبيل الانتخابات هذه، أصدرت بيان دعم للجبهة.  وبعد ترشّح د. عبد الله أبو معروف على لائحة الجبهة، بادرت الحركة الوطنيّة للتواصل إلى الدعوة للتصويت للجبهة لا بل عقدت للدكتور الحلقات البيتيّة في بعض الأماكن.

كوادر الحركة الوطنيّة للتواصل دعمت الجبهة والدكتور أبو معروف في انتخابات ال-2015م كذلك، وبعد نجاحه وفي لقاء عمل موثّق في بيته مع رئاسة لجنة التواصل، كلّفته اللجنة أن يعيد طرح موضوع التواصل على الكنيست من حيث كان الكاتب وصل فيه إذ كان حقّق قرارا إجماعيّا حول حقّ الدروز في التواصل أجهضته القيادة الدينيّة الدرزيّة بالتنسيق مع المخابرات. وفعلا أخرج د. عبد الله أبو معروف القرار من إرشيف الكنيست ووعد بمتابعته، ولكن لا هو طرح الموضوع ولا المشتركة فعلت رغم المراجعات الكثيرة، والأسباب ومَن وراءها معروفة لدى الحركة الوطنيّة ومن مصادر أولى!!!

(بعد نشر هذا الأمر سابقا “أخذ على خاطره” النائب السابق أبو معروف رادّا إنّ الكلام غير دقيق، وبغضّ النظر، لم يحصل كحقيقة موضوعيّة، أي بحث في الكنيست في الموضوع لا في الهيئة العامة ولا في اللجان المختصّة.)

الاحتياط الوطنيّ في القرى الدرزيّة هو في الشيوعيّين- المبادرة الدرزيّة، والحركة الوطنيّة للتواصل (لجنة التواصل وميثاق المعروفيّين)، هذه حقيقة تاريخيّة، وطبعا هنالك آخرون من أكاديميّين وكتّاب وشعراء وغيرهم مستقلّون لا في هذه الحركة ولا تلك. على المستوى المحلّي وللمثال يتركّز هذا الاحتياط في بيت جن في حركة أبناء الزابود وهذا مثبت تاريخيّا جبهويّا وتجمّعيا قطريّا ومحليّا في انتخابات المجلس المحلّي.

فكيف يصحّ أنّ يكون ألدّ خصوم هذا الاحتياط الوطنيّ “التواصليّ والزابوديّ” من يجب أن يكونوا على الأقل في نفس المتراس معهم؛ “قيادة لجنة المبادرة الدرزيّة” قطريّا ومحليّا، ووسط صمت مطْبق من الجبهة؟!

ولا يدّعينَّ أحد أن الأسباب نابعة من خلافات شخصيّة بين هذا وذاك، وحتّى لو وُجدت فالعمل الوطني ليس مرهونا لمثل هكذا خلافات، ومثل هكذا ادعاء هروب من تحمّل المسؤوليّات بأضعف الإيمان. حين توجّه المرشّح الأخ جابر عساقلة للحركة الوطنيّة للتواصل وأبناء الزابود، ورغم ما سبق، استقبلوه برحابة صدر في لقاء مطوّل إيجابيّ في مقرّ الحركة في بيت جن، أصلح بعض ما كان عطب.

أفبعد كلّ هذا يُستغرب كيف حصلت الجبهة بالكاد على ما لا يزيد عن 2500 صوت بين الدروز في 2019 (أ) مع زيادة طفيفة في 2019 (ب)، ورغم وجود جابر عساقلة على اللائحة وفي مكان متقدّم ومن ثمّ مضمون؟!

الجبهة في خارطتنا السياسيّة العربيّة رغم اختلافنا معها في قضايا فكريّة وبعض سياسيّة، هي القوّة التي تستأهل كل خير هذا كان رأيي واستنتاجي وما زال بعد تجربتي الطويلة، وعلى الأقل لأنها اجتماعيّا البيت الذي يجمع كل أطياف شعبنا، ومن هذا المنطلق ورغم كلّ شيء ممّا سقته أعلاه من تصرّف “رُسلها” صوّتُ لها في الانتخابات الأخيرة (2019أ) وأكثر.

لست في موقع إسداء النصح وبتاتا ليس من هذا الباب أطرح ما أطرح فأنا أومن بالحديث الشريف؛ “رحم الله امرأ عرف حدّ نفسه فوقف عنده”، فأرى إن على الجبهة، إذا كانت تريد عملا وطنيّا بين الدروز، أن تعمل على تسليم اللواء لكادرها الشبابيّ وليس مهمّا تحت أي إطار ولكن أن يكون العمل على مستوى الجبهة كمؤسّسة أولا والشباب “قدها وقدود”، وما كانوا حُيّدوا عنوة إلا خوفا على مراكز مُتخيّلة يصعب فراقها ل-“حرس قديم” استنفذ طاقاته والميدان أكبر شاهد.

عندها أقولها وبالصوت العالي أن طريق الوحدة بين القوى الوطنيّة الدرزيّة أو على الأقل العمل المشترك بينها، ستكون أقصر من قصيرة وسيكون هؤلاء الشباب في طليعتها، فالثلم الأعوج عادة من الثور الكبير!

الوقفة الثامنة… مع النقاط والحروف والتجمّع.     

التجمّع دخل الساحة الدرزيّة بقوة في انتخابات عام 1999م بتحالفه مع حركة الوحدويّين الوطنيّين القطريّة والتي كان الكاتب مرشّحها، وخاض التجمّع الانتخابات مشاركة في قائمة “التجمّع الوحدوي الوطني” انضمّ إليها لاحقا د. الطيبي. وحصل التجمّع في هذه الانتخابات على كم ملموس من الأصوات كما بُيّن أعلاه (وهذا قبل زيارات سوريّة). مشروع التواصل لاحقا لا شكّ عزّز من مكانة الحزب في القرى الدرزيّة، ولعلّ في نتائج انتخابات ال-2006 وال-2009 البيّنة، إذ حصل على آلاف الأصوات.

دون الدخول الآن في الأسباب والدوافع، فتحت قيادة التجمّع على الحركة الوطنيّة للتواصل ومؤسّسها، الكاتب، معركة شعواء بعيد انتخابات ال-2009 والتي كان حصل التجمع فيها على قرابة ال-5000 صوت بين الدروز (في بعض القرى وصلت %28 ولا أقصد بيت جن عينيّا). فضربت وحدة الحركة وشقّتها وتبنّت المنشقّين معنويا وماديّا ولكن “ربيعهم العربي” معا، قصُر وراح عرّابو الانشقاق إلى بيوتهم وأماكن أخرى وراح معهم المنشقون إلى حيث…، ويبدو إن التجمّع تنازل كليّا عن العمل بين الدروز، وها التجمع يحصل في هذه الانتخابات (2019- أ)؛ في بيت جن على (9) أصوات، ويركا (7) أصوات، والبقيعة (21)، وجولس (5) وعسفيا (بلد مطانس شحادة) على 232 صوتا… إن لم تخنّي الذاكرة كان التجمع في انتخابات 2006 و2009 حصل في عسفيا على ما يزيد عن ال-500 صوت!

لا أرى ولم أرَ يوما في حركة وطنيّة عدوّا ولا في التجمّع، وبغضّ النظر، الفكر القوميّ المتنوّر إذا كانت فعلا هذه البوصلة، فله بين الدّروز ورغم كلّ شيء مكانة فهو جزء من تراثهم كعرب، وربّما تتُاح أمام التجمّع فرصة للتكفير بعد أن خلت ساحته من هؤلاء (الشاقّين) وأولئك (المنشقّين)، ولا ضير في ذلك. ولا يذهبَنّ أحد بعيدا فأنا شخصيّا لا أحنّ!

  • الوقفة التاسعة… مع النقاط والحروف والموحّدةً.

أليس الدروز مذهبيّا وطبقا لفتوى الأزهر الشريف من الخمسينيّات مسلمون موحّدون؟! أليس الاسم الرّسمي للدروز في سوريا ولبنان والأردن؛ الموحّدون المسلمون؟!

  • الوقفة العاشرة… مع بعض خلاصات.

القيادات المواليّة الدرزيّة اليوم الدينيّة والسياسيّة من كبيرها مركزا إلى صغيرها وطبقا لجيلها، هي نتاج مدرسة “حلف الدم” من ستينيّات وسبعينيّات القرن الماضي ولا أمل فيها وهي تنسّق كلّ خطواتها مع المؤسّسة ومع الأسوء في أذرعها- الشاباك، والانتخابات القطريّة والمحليّة ترشّحا وتصويتا البيّنة. الأمل هو في؛

أولا: القوى الوطنيّة الدرزيّة المؤطّرة وعليها تسليم اللواء حالا لجيل الشباب لا تحييدهم، ولتبق لهم ظهيرا بتجاربها ولا يخفنّ أحد على مكانته فإن لم يكفِه تاريخه فلن يكفيه شيء. وحدة هذه القوى هي الطريق، وأنا أجزم أن الطريق ستكون قصيرة أكثر ممّا نتخيّل، فالشباب خلو من كلّ عُقد الماضي المصطنعة منها والمرَضيّة والحقّة إن وُجدت.

من نافل القول؛ أن الوحدة تؤتي بالهيبة تجاه النفس والحلفاء، والخصوم والأعداء، وبديلها ال-“لا في العير ولا في النفير” كما اليوم، مع بعض تفاوت بين الشخوص والحركات الفاعلة. فالآدميّ عديم الهيبة لا يؤخذ في الحساب لا من القريب وكم بالحري من البعيد؛ الخصم والعدوّ.

ثانيا: الوطنيّين؛ الأكاديميّين، الكتّاب والشعراء، العمال والموظّفين، “القاعدين على جنب” أو المُكْتفين بالأقوال شفهيّا أو كتابيّا، فيهم أمل حين ينزلون من صوامعهم إلى الميدان احتراما للدور التاريخي المُتوخّى منهم والمُناط بهم.

لو كان بعضهم جلب أصواتا للمشتركة في بلده على عدد منشوراته على الفيس بوك، لكانت المشتركة بألف خير!

ثالثا: الأحزاب العربيّة حين تضع العمل بين الدروز كجسم كمؤسّسة وكنهج دائم وليس موسميّا، وليس طريقة وكلاء ولا رُسل بحكم الانتماء الثانويّ، ستجد تربة خصبة انتماء واحتجاجا. وعلى الأقل، فليكلّف “استراتيجيّوها” أنفسهم دراسة نتائج أبحاث مؤتمر هرتسليّا وجامعة حيفا، ففيها أكثر من بوصلة، اللهم إلا إذا قرّروا أن لا طائل من العمل بين الدروز “بحِرْزوش”، وحينها يكونون قد راكموا فشلا على فشل، ويكونون أبعد ما يكون عن الاستنتاجات المترتّبة على نتائج الانتخابات، وحالهم كمن “كسر عصاته من أو غزواته” بعد الهزيمة، نعم الهزيمة، وفي جولتين متتاليتين.

ولا يحاولَنّ أحد التبرير، فالتبرير ألدّ أعداء الإصلاح. نتائج جولات كثيرة من الانتخابات أثبتت وتثبت أن قطاعات واسعة من الدروز ليست غريبة عن الأحزاب العربيّة، ولكن الأحزاب وللأسف غرّبتها بتركها لقمة سائغة للمؤسّسة وزُلمها.

أخيرا: هؤلاء كلّهم؛ الأحزاب وقواها الفاعلة، إن لم يضع كلّ منهم الحدّ في “مارسِه” ويردّه عن “مارِس” الآخر، ويدلو كلّ بدلوه دون تردّد لنشل الماء النقيّ الكثير في آبار شعبنا، فعلى أنفسنا سنجني كما “على نفسها جنت براقش”، مع احترام المقامات!

بيتنا الوطنيّ وكماله وصيانته هي رأس مالنا الأبقى، وسيبقى مشوّها طائفيّا وحمائليّا وعشائريّا وأخلاقيّا وما يترتّب على ذلك من آفات اجتماعيّة إن لم يشمل كلّ أبنائه، وأنتم يا من تتبوّؤون المواقع القياديّة اليوم أنتم المسؤولون ونحن معكم ووراءكم.

وعد أعضاء المشتركة الناس إنّهم استنتجوا العبر من الأداء، وسيعملون جهدهم على إصلاح كلّ ما فسد وصدّقهم قسم كبير من الناس مع “دفشة من نتانياهو”، مع تصديق محدود الضّمان عند الدروز. فقبل أن تقع البينونة الكبرى، تذكّروا إنّ في موروثنا القول: “وعد الحرّ دين عليه”، والأيام ستدلّنا إن كنتم من الأحرار.

ومرّة أخرى؛ أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، ودون أن أنسى رُفاة أهلي!

سعيد نفّاع

13 نيسان 2019

و21 أيلول 2019

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*