د.مصطفى يوسف اللداوي
الدروز يتقدمون في الجيش الصهيوني
8.6.2012
على العكس من أبناء الطائفة الدرزية الكريمة فيسوريا ولبنان، الذين يعتبرون مكوناً أساسياً من مكونات العمل الوطني والقومي فيالبلدين، والذين يتصدرون الجبهات المقاتلة للعدو الصهيوني، ولا يتأخرون عن المواجهةوالتصدي، وقد قدموا عشرات الشهداء على جبهات القتال، وكان منهم عميد الأسرى العرب،حيث لا تقل أفكارهم الثورية والوطنية عن أفكار أي عربيٍ آخر، في الوقت الذي تعتقلفيه سلطات الاحتلال الإسرائيلي عدداً منهم، وترفض الإفراج عنهم، وتعرقل أي صفقةٍيتم إدراج أسمائهم فيها، وقد كان لكثيرٍ منهم دورٌ كبير في تحرير بلادهم، وجلاءالمستعمر عنها، ورحيل آخر جندي يمثل الاحتلال عن آخر شبرٍ من أرضهم، فما تعاونوامعه، ولا خانوا قومهم من أجله، بل قاتلوه بصدقٍ وتضحية، حتى باتت أسماءٌ درزيةأعلامٌ في عالمنا العربي والإسلامي، كسلطان باشا الأطرش وكمال جنبلاط، وابنه وليدالذي قال يوماً “إن صلاةً في المسجد الأقصى لا تصح بغيرِ عمرٍ أو صلاح الدين”،وغيرهم كثير.
إلا أن الكثير من أبناء الطائفة الدرزية فيفلسطين كانوا على الضد من إخوانهم اللبنانيين والسوريين، فقلبوا ظهر المجن لأهلهم،وتآمروا على أبناء شعبهم، وتحالفوا مع العدو عليهم، فكانوا في جيشه جنودٌ، وفيمؤسساته عاملون ومتطوعون، وقد آمنوا بمشروعه الاستعماري، والتزموا بأفكارهالعنصرية المقيتة، وأصبحوا أدواتٍ في يديه ينفذ من خلالهم سياساته، ويطبق مناهجهالدموية المريعة، وزج بهم في صفوف جيشه الأولى، وجعل من بعضهم أفراداً في جيشالنخبة لديه، مستفيداً من لغتهم العربية، ومن جرأتهم على أهلهم وشعبهم، وجسارتهمفي مواجهة أبناء جلدتهم، فنفذوا معه مجازر مخيفة بحق إخوانهم الفلسطينيين، والغريبأن بعضهم كان على الفلسطينيين أشد قسوةً وعنفاً من اليهود أنفسهم.
صحيح أن أبناء الطائفة الدرزية في فلسطين لميلتحقوا بجيش الكيان الصهيوني في العام الأول لتأسيس الكيان، ولم يتخلوا عنتاريخهم وماضيهم وتراثهم وحضارتهم منذ اليوم الأول لإعلان دولة الاحتلال، حيث تؤكدسجلات الجيش الإسرائيلي أن أول درزي التحق بالخدمة العسكرية الإسرائيلية الإجباريةكان في العام 1956، عندما قام دافيد بن غوريون وهو أول رئيس حكومة إسرائيلية بفرضالخدمة العسكرية الإجبارية على أبناء الطائفة الدرزية، بعد أن كان قد سمح لمن يرغبمن أبنائهم بالخدمة العسكرية والأمنية، وقد كانت البداية مبادرة شخصية من بعضالدروز، الذين رأوا وجوب الخدمة في جيش الكيان الذين يحملون هويته وجنسيته، ولميشعروا بأي غضاضة أو خجل من الالتحاق بصفوف مقاتليه، وكان بعضهم جريئاً في الدفاععن خطوته، ولا يرى أن الجيش الإسرائيلي جيشاً معادياً للأمة العربية والإسلاميةالتي ينتمون إليها، الأمر الذي أصاب الشعب الفلسطيني بالصدمة من هول سلوك بعضالدروز في فلسطين المحتلة.
يقول المجندون الدروز أنهم لا يشعرون بأي أسىأو ندم أو حزن أو خجل وهم يخدمون في صفوف الجيش الإسرائيلي، ولا يشعرون بأي حساسيةأو تأنيب ضمير، ويقولون بأنهم يتلقون في الجيش الإسرائيلي ومن قيادته معاملة حسنة،ولا يلمسون أي شكل من أشكال التمييز أو التفرقة بينهم وبين بقية المجندين اليهود،وأنهم يتواجدون في جميع الوحدات العسكرية الحساسة، ولا ترفض طلباتهم بالانضمام إلىالأولوية القتالية الخاصة، إذ أن الكثير منهم يخدم في ألوية جولاني وجفعاتي، ووحدةشلداغ ووحدة 8200، ووحدة هيئة الأركان وغيرهم من وحدات النخبة، علماً أن عدداًكبيراً منهم يحمل رتباً عسكرية عالية، ويتولون مناصب إدارية عليا في المؤسسةالعسكرية الإسرائيلية، منها ضباط تنسيق بعض المناطق، فضلاً عن انضمام بعضهم إلىهيئة أركان الجيش الصهيوني، وسلاح الهندسة وتقنية المعلومات والحرب الإليكترونية، ومنهمطيارون مقاتلون وقادة وحدات جوية وبرية وبحرية، ويساهم العشرات من المختصين والأكاديميينالعسكريين في تدريس المساقات العسكرية والأمنية في المؤسسات العلمية العسكريةالتابعة للجيش الإسرائيلي، ولكن الأخطر في مسألة المجندين الدروز هو انخراطهم فيوحدة المستعربين “الدوفدان”، التي تساهم بصورة كبيرة في تنفيذ عملياتاغتيال نشطاء ومطلوبين فلسطينيين، وتشارك في اقتحام حرم وباحات المسجد الأقصىالمبارك.
يشكل أبناء الطائفة الدرزية ما نسبته 2% فقط منإجمالي سكان الكيان الإسرائيلي، لكنهم بشهادة رؤوساء أركان الجيش الإسرائيلي وكبارالضباط فيه، متفوقون ومتميزون في صفوف الجيش، ويؤدون خدمات جليلة لدولة الكيان، وتشيرإحصائيات الجيش الإسرائيلي أن أكثر من 83% من أبناء الطائفة الدرزية في فلسطينالمحتلة يتجندون سنوياً في صفوف الجيش، مقابل 75% من المكلفين اليهود، حيث يزيدعددهم في الجيش الإسرائيلي عن 20.000 مجنداً، موزعين على نقاط التماس مع العرب علىالحدود الشمالية لفلسطين مع لبنان، وعلى تخوم قطاع غزة وفي عمق الضفة الغربية، وأننسبة الخدمة العسكرية في صفوفهم قد زادت في السنوات الأخيرة بصورة ملحوظة، علىالرغم من دعوات شيوخ عقل الطائفة الدرزية في كلٍ من سوريا ولبنان لأبناء طائفتهمفي فلسطين المحتلة بعدم الانخراط في صفوف الجيش الإسرائيلي، والامتناع عن تقديم أيخدماتٍ أمنية أو عسكرية لهم، وقد حاول زعماء الدروز السياسيين في لبنان حث إخوانهمالدروز في فلسطين على رفض الخدمة، ووجهوا لهم رسائل عديدة ونداءاتٍ متكررة، ولكنيبدو أن دعواتهم كلها قد ذهبت أدراج الرياح، أمام الحقيقة الرقمية التي تقول أن نسبةالشباب الدروز المجندين في الجيش الصهيوني في تزايدٍ مستمر.
تشكل ظاهرة تزايد عدد الشباب الدروز من الجنسينالمجندين في الجيش الإسرائيلي خطورة كبيرة على الفلسطينيين خصوصاً وعلى العربعموماً، ذلك أن الطائفة الدرزية في فلسطين المحتلة ما زالت تحافظ على الكثير من مفاهيمهاوتراثها العربي، ويتقن أبناؤها اللغة العربية، ويدركون طبيعة ونفسية المواطنالفلسطيني، ويستطيعون الغوص عميقاً في نفسية وذهنية الإنسان العربي، ليتعرفوا علىكوامنه وباطنه، فضلاً عن أنهم يتمتعون بجرأة وجسارة كبيرة تميزهم عن غيرهم منالعسكريين اليهود، الأمر الذي يؤهلهم للمبادرة في اقتحام المناطق، والمباشرة فيتنفيذ المهام الخطرة، والاستعداد للقيام بأعمال تجسسية وأخرى للمراقبة والمتابعةوجمع المعلومات، حيث عمل الكثير منهم في جهاز المخابرات الإسرائيلي، ونفذوا مهماتٍأمنية في أكثر من دولةٍ عربية، الأمر الذي يجعلهم أقدر من اليهود على تنفيذ المهامالصعبة، وأخطر على الفلسطينيين والعرب من أي عسكري يهودي آخر.
نظراً لهذهالخطورة الكبيرة التي تكمن في تزايد ظاهرة الخدمة العسكرية في أوساط أبناء الطائفةالدرزية في فلسطين المحتلة، فإن على المرجعيات الدينية والسياسية الدرزية في كلٍمن سوريا ولبنان والأردن بذل أقصى الجهود الممكنة لثني شبابهم عن الانخراط في جيشالعدو الصهيوني، ودفعهم للانسحاب من وحداته العسكرية المقاتلة، وتشجيعهم لإعادةانتمائهم وارتباطهم بشعبهم الفلسطيني وبأمتهم العربية، إذ أن أرضهم كغيرهم مستباحةومصادرة، فهم عربٌ خلص من ينحدرون من قبائل عربية أصيلة، وليكونوا على علمٍ ويقينأنهم كغيرهم من العرب مستهدفين من قبل الكيان الصهيوني، وأن اليهود لا ينسون أبداًأن أصول الدروز عربية، وأنهم في حقيقتهم وعمقهم يحملون بذور العداء لكيانهم، ولكن ينبغيلهذه الجمرة الكامنة أن تتقد، ولا بد لعربيٍ درزيٍ أصيل أن ينفخ فيها لتعود وتشتعل.
9/6/2012